الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أَيْ وَاللهِ لَئِنِ اخْتَطَفَهُ الذِّئْبُ مِنْ بَيْنِنَا وَأَكَلَهُ وَالْحَالُ أَنَّنَا جَمَاعَةٌ شَدِيدَةُ الْقُوَى تُعَصَّبُ بِنَا الْأُمُورُ، وَتُكْفَى بِبَأْسِنَا الْخُطُوبُ: {إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} وَخَائِبُونَ فِي اعْتِصَابِنَا، أَوْ لَهَالِكُونَ لَا يَصِحُّ أَنْ نُعَدَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ وَيُرْكَنُ إِلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَوَابٌ لِلْقَسَمِ أَغْنَى عَنْ جَوَابِ الشَّرْطِ.أَجَابُوهُ عَمَّا يَخَافُهُ بِمَا يَرْجُونَ أَنْ يُطَمْئِنَهُ، وَأَمَّا حُزْنُهُ فَلَا جَوَابَ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لابد مِنْهُ وَلَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ مَنْعُهُ؛ إِذْ هُوَ لَازِمٌ لِفِرَاقِهِ لَهُ وَلَوْ فِرَاقًا قَلِيلًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِيُوسُفَ فِي صِحَّتِهِ، بِتَرْوِيضِ جِسْمِهِ فِي ضُحَى الشَّمْسِ وَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَحَرَكَةِ الْأَعْضَاءِ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ، يَعُودُ بَعْدَهُ فَيَزُولُ حُزْنُهُ وَيَكُونُ سُرُورُهُ مُضَاعَفًا لَوْ صَدَقُوا.{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فِي بَيَانِ مَا نَفَّذُوا بِهِ عَزْمَهُمْ بِالْفِعْلِ، وَمَا اعْتَذَرُوا بِهِ لِأَبِيهِمْ مِنْ كَذِبٍ، وَمَا قَابَلَهُمْ مِنْ تَكْذِيبٍ وَصَبْرٍ، وَاسْتِعَانَةٍ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ} فِي الْغَدِ مِنْ لَيْلَتِهِمُ الَّتِي اسْتَنْزَلُوا فِيهَا أَبَاهُ عَنْ إِمْسَاكِهِ عِنْدَهُ: {وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} أَيْ أَزْمَعُوهُ وَعَزَمُوا عَلَيْهِ عَزْمًا إِجْمَاعِيًّا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ بَعْدَ مَا كَانَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ قَبْلُ فِي قَتْلِهِ أَوْ تَغْرِيبِهِ، وَجَوَابُ: {لَمَّا} مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا بَعْدَهُ، وَتَقْدِيرُهُ: نَفَّذُوهُ بِأَنْ أَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ذَلِكَ الْجُبِّ بِالْفِعْلِ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِيهِ وَحْيًا إِلْهَامِيًّا عَلِمَ أَنَّهُ مِنَّا، مَضْمُونُهُ: وَرَبِّكَ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا مَعَكَ، إِذْ يُظْهِرُكَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَيُذِلُّهُمْ لَكَ وَيَجْعَلُ رُؤْيَاكَ حَقًّا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ يَوْمَئِذٍ بِمَا آتَاكَ اللهُ، أَوِ الْآنَ بِمَا يُؤْتِيكَ فِي عَاقِبَةِ هَذِهِ الْفِعْلَةِ الَّتِي فَعَلُوهَا بِكَ، أَوْ بِهَذَا الْوَحْيِ فِي الْجُبِّ وَهُوَ الْمَرْتَبَةُ الْأَوْلَى مِنْ مَرَاتِبِ التَّكْلِيمِ الْإِلَهِيِّ لِلْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ التَّمْهِيدِ لَهُ بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ. وَقَدْ هَوَّنَ اللهُ تَعَالَى عَلَى يُوسُفَ مُصِيبَتَهُ بِهِ فَعَلِمَ أَنَّهَا مُصِيبَةٌ فِي الظَّاهِرِ نِعْمَةٌ فِي الْبَاطِنِ، وَقَدْ نَقَلُوا عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ طَغَوْا فِي الْقَسْوَةِ عَلَيْهِ وَالتَّنْكِيلِ بِهِ، فَقَالُوا وَفَعَلُوا مَا لَا يَصْدُرُ مِثْلُهُ إِلَّا عَنْ رِعَاعِ النَّاسِ وَأَرَاذِلِ الْمُجْرِمِينَ الظَّالِمِينَ، وَمَا هِيَ إِلَّا الْإِسْرَائِيلِيَّاتُ الْمُنَفِّرَةُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} أَيْ جَاءُوهُ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ إِذْ خَالَطَ سَوَادُ اللَّيْلِ بَقِيَّةَ بَيَاضِ النَّهَارِ فَمَحَاهُ، حَالَ كَوْنِهِمْ يَبْكُونَ لِيُقْنِعُوهُ بِمَا يَبْغُونَ وَقَدْ بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أَيْ ذَهَبْنَا مِنْ مَكَانِ اجْتِمَاعِنَا إِلَى السِّبَاقِ يَتَكَلَّفُ كُلٌّ مِنَّا أَنْ يَسْبِقَ غَيْرَهُ، فَالِاسْتِبَاقُ تَكَلُّفُ السَّبْقِ وَهُوَ الْغَرَضُ مِنَ الْمُسَابَقَة، وَالتَّسَابُقُ بِصِيغَتَيِ الْمُشَارَكَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْغَلَبُ، وَقَدْ يُقْصَدُ لِذَاتِهِ أَوَ لِغَرَضٍ آخَرَ فِي السَّبْقِ. وَمِنْهُ: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} فَهَذَا يُقْصَدُ بِهِ السَّبْقُ لِذَاتِهِ لَا لِلْغَلَبِ، وَقَوْلُهُ الْآتِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} 25 كَانَ يَقْصِدُ بِهِ يُوسُفُ الْخُرُوجَ مِنَ الدَّارِ هَرَبًا مِنْ حَيْثُ تَقْصِدُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ بِاتِّبَاعِهِ إِرْجَاعَهُ، وَصِيغَةُ الْمُشَارَكَةِ لَا تُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى. وَلَمْ يَفْطَنِ الزَّمَخْشَرِيُّ- عَلَّامَةُ اللُّغَةِ- وَمَنْ تَبِعَهُ لِهَذَا الْفَرْقِ الدَّقِيقِ.{وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} مِنْ فَضْلِ الثِّيَابِ وَمَاعُونِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَثَلًا يَحْفَظُهُ، إِذْ لَا يَسْتَطِيعُ مُجَارَاتَنَا فِي اسْتِبَاقِنَا الَّذِي تُرْهَقُ بِهِ قُوَانَا: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} إِذْ أَوْغَلْنَا فِي الْبُعْدِ عَنْهُ فَلَمْ نَسْمَعْ صُرَاخَهُ وَاسْتِغَاثَتَهُ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أَيْ بِمُصَدِّقٍ لَنَا فِي قَوْلِنَا هَذَا، لِاتِّهَامِكَ إِيَّانَا بِكَرَاهَةِ يُوسُفَ وَحَسَدِنَا لَهُ عَلَى تَفْضِيلِكَ إِيَّاهُ عَلَيْنَا فِي الْحُبِّ وَالْعَطْفِ وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ أَوْ نَفْسِ الْأَمْرِ، أَوْ وَلَوْ كُنَّا عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ مَا صَدَّقْتَنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ لِشِدَّةِ وَجْدِكَ بِيُوسُفَ.{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْفَذَّةِ فِي بَلَاغَتِهَا، أَنَّهُمْ جَاءُوا بِقَمِيصِهِ مُلَطَّخًا ظَاهِرُهُ بِدَمٍ غَيْرِ دَمِ يُوسُفَ، يَدَّعُونَ أَنَّهُ دَمُهُ لِيَشْهَدَ لَهُمْ بِصِدْقِهِمْ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى كَذِبِهِمْ، فَنَكَّرَ الدَّمَ وَوَصَفَهُ بِاسْمِ الْكَذِبِ مُبَالَغَةً فِي ظُهُورِ كَذِبِهِمْ فِي دَعْوَى أَنَّهُ دَمُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ، فَالْعَرَبُ تَضَعُ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الصِّفَةِ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا يَقُولُونَ: شَاهِدٌ عَدْلٌ، وَمِنْهُ، فَهُنَّ بِهِ جُودٌ وَأَنْتُمْ بِهِ بُخْلٌ، وَقَالَ: {عَلَى قَمِيصِهِ} لِيُصَوِّرَ لِلْقَارِئِ وَالسَّامِعِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَضْعًا مُتَكَلَّفًا، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَثَرِ افْتِرَاسِ الذِّئْبِ لَهُ لَكَانَ الْقَمِيصُ مُمَزَّقًا وَالدَّمُ مُتَغَلْغِلًا فِي كُلِّ قِطْعَةٍ مِنْهُ، وَلِهَذَا كُلِّهِ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} هَذَا إِضْرَابٌ عَنْ تَكْذِيبٍ صَرِيحٍ تَقْدِيرُهُ: إِنَّ الذِّئْبَ لَمْ يَأْكُلْهُ، بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ أَمْرًا إِمْرًا، وَكَيْدًا نُكْرًا، وَزَيَّنَتْهُ فِي قُلُوبِكُمْ فَطَوَّعَتْهُ لَكُمْ حَتَّى اقْتَرَفْتُمُوهُ، أَيْ هَذَا أَمْرُكُمْ. وَأَمَّا أَمْرِي مَعَكُمْ وَمَعَ رَبِّي: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أَوْ فَصَبْرِي صَبْرٌ جَمِيلٌ لَا يُشَوِّهُ جَمَالَهُ جَزَعُ الْيَائِسِينَ مِنْ رَوْحِ اللهِ، الْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلَا الشَّكْوَى إِلَى غَيْرِ اللهِ: {وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ، لَا أَسْتَعِينُ عَلَى احْتِمَالِهَا غَيْرَهُ أَحَدًا مِنْكُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِكُمْ.هَذَا هُوَ الْفَصْلُ الْأَوَّلُ مِنْ قِصَّةِ يُوسُفَ، وَهُوَ صَفْوَةُ الْحَقِّ مِنْ أَحْسَنِ الْقَصَصِ بِمَا فِيهِ مِنَ الدِّقَّةِ وَالْعِبْرَةِ، وَقَدْ شَوَّهَهُ رُوَاةُ الْأَسَاطِيرِ وَالْمُفْتَرِيَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ بِمَا ظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ التَّوْرَاةِ وَمَا هُوَ مِنْهَا، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْرَأْ هَذَا الْفَصْلَ مِنْ قِصَّةِ يُوسُفَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ لِيَرَى الْفَرْقَ الْبَعِيدَ بَيْنَ كَلَامِ اللهِ وَكَلَامِ الْبَشَرِ، وَلِيَعْلَمَ الْمَغْرُورُ بِمَا نَقَلَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ فِيهَا كَالسُّدِّيِّ الْكَبِيرِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ كَذِبًا وَأَكْثَرُ إِتْقَانًا لِأَسَاطِيرِهِ مِنَ السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ، أَنَّ كُلَّ مَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كَذِبٌ صُرَاحٌ. اهـ.
وقولَ الآخر: وقول الآخر: وقال الحوفي: إنَّ على قميصه متعلقٌ ب {جاؤوا}، وفيه نظر؛ لأن مجيئَهم لا يصحُّ أن يكونَ على القميص.وقال الزمخشري: فإن قلتَ {على قميصه} ما محلُّه؟ قلت: محلُّه النصبُ على الظرف، كأنه قيل: وجاؤوا فوق قميصه بدم، كما تقول: جاء على جِماله بأَحْمال. قال الشيخ: ولا يساعد المعنى على نصب على على الظرف بمعنى فوق، لأنَّ العامل فيه إذ ذاك {جاؤوا}، وليس الفوقُ ظرفًا لهم، بل يستحيل أن يكونَ ظرفًا لهم. وهذا الردُّ هو الذي رَدَدْت به على الحوفي قولَه إنَّ {على} متعلقةٌ ب {جاؤوا}. ثم قال الشيخ: وأمَّا المثال الذي ذكره الزمخشري وهو جاء على جِماله بأَحْمال فيمكن أن يكونَ ظرفًا للجائي لأنه تمكَّن الظرف فيه باعتبار تبدُّلِه مِنْ جملٍ إلى جمل، وتكون بأَحْمال في موضع الحال، أي: مضمومًا بأحمال.وقرأ العامَّةُ: {كَذِب} بالذال المعجمة، وهو من الوصف بالمصادر فيمكن أن يكونَ على سبيل المبالغة نحو: رجلٌ عَدْلٌ أو على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذي كذب، نَسَبَ فِعْلَ فاعله إليه. وقرأ زيد بن علي {كَذِبًا} فاحتمل أن يكون مفعولًا من أجله واحتمل أن يكونَ مصدرًا في موضع الحال، وهو قليلٌ أعني مجيءَ الحالِ من النكرة.وقرأ عائشة والحسن: {كَدِب} بالدال المهملة. وقال صاحبُ اللوامح: معناه: ذي كَدِب، أي: أثر؛ لأنَّ الكَدِبَ هو بياضٌ يَخْرُجُ في أظافير الشباب ويؤثِّر فيها، فهو كالنقش، ويسمى ذلك البياضُ الفُوْف فيكون هذا استعارةً لتأثيره في القميص كتأثير ذلك في الأظافير. وقيل: هو الدمُ الكَدِر. وقيل: الطريُّ. وقيل: اليابس.قوله: {بَلْ سَوَّلَتْ} قبل هذه الجملةِ جملةٌ محذوفة تقديره: لم يأكلْه الذئب، بل سَوَّلَتْ.وسوَّلت، أي: زيَّنَتْ وسَهَّلَتْ.قوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} يجوز أن يكونَ مبتدأً وخبره محذوفٌ، أي: صبر جميل أَمْثَلُ بي. ويجوز أن يكون خبرًا محذوفَ المبتدأ، أي: أمري صبرٌ جميل. وهل يجب حَذْفُ مبتدأ هذا الخبر أو خبر هذا المبتدأ؟ وضابطُه أن يكونَ مصدرًا في الأصل بدلًا مِن اللفظ بفعله، وعبارة بعضِهم تقتضي الوجوبَ، وعبارة آخرين الجواز. ومن التصريح بخبر هذا النوعِ. ولكنه في ضرورة شعر قولُه: وقولُ الشاعر: يحتمل أن يكونَ مبتدأً أو خبرًا كما تقدَّم.وقرأ أُبَيّ وعيسى بن عمر: {فصبرًا جميلًا} نصبًا، ورُويت عن الكسائي، وكذلك هي في مصحف أنس بن مالك، وتخريجها على المصدر الخبري، أي: أصبرُ أنا صبرًا، وهذه قراءة ضعيفة إن خُرِّجَتْ هذا التخريجَ، فإن سيبويه لا ينقاس ذلك عنده إلا في الطلب، فالأَوْلى أن يُجعل التقدير: إنَّ يعقوب رَجَعَ وأَمَر نفسَه فكأنه قال: اصبري يا نفسُ صبرًا. ورُوري البيتُ أيضًا بالرفع والنصب على ما تقدَّم، والأمر فيه ظاهر. اهـ.
|